لقد أردنا بهذه الكلمات المختصرة إختيار أفضل طريقة للعلاج. إن طريقة تفكير المدمن تولد مشاعر سلبية قوية جداً لا يستطيع أن يتعامل معها فيكبتها وهذه المشاعر لها قوة وطاقة فتتحول إلى سلوكيات تدفع المدمن أن يسلك سلوكيات قهرية، وهذه هي التي تجعل المشكلة تتفاقم لأنها سلوكيات قهرية بما فيها من تعاطي للمواد المخدرة وغيرها من السلوكيات مثل العزلة والإندفاعية والغضب الشديد والكذب و المراوغة……إلخ، ولكن ليس معنى قهرية أن المدمن غير مسئول عن سلوكياته بل مسئول، والمعنى أن تناول المخدرات يجعله يسلك سلوكاً معادياً للآخرين ولكن لديه البصيرة لطلب العلاج والتعافي.
هذا مما يدخل المدمن في حلقة مفرغة، فهذه السلوكيات كما قلنا قهرية يندم المدمن على فعلها فهو لا يريد أن يفعلها أو على الأقل يصل في مرحلة ما يريد أن يتوقف عن هذه السلوكيات فلا يستطيع فيرى أنه لا أمل له ثم يعتقد أن المجتمع يرفضه ولا يقبله فيزيد شعوره بالرفض والإختلاف والعزبة وعدم القبول وفقدان إحترامه لنفسه وعدم تقدير الذات مما يجعله ويدفعه لتكرار نفس هذه السلوكيات بل تتفاقم هذه السلوكيات.
ومع أن هذا السلوك هو الذي أظهر (فضح) مرض الإدمان فهو مجرد جانب من جوانب المرض وليس التعاطي هو المرض، فالمرض موجود حتى قبل البدء في التعاطي للمخدرات.
وهنا تجد كثيراً من أهل المدمنين من يحمل نفسه عبأ أو يتحمل مسئولية مرض المدمن أو يرى نفسه هو السبب، ويشعر بالذنب ويلوم نفسه، ولكن لو لاحظنا الحياة التي مر بها المدمن قبل التعاطي ستجد أشياء في شخصية المدمن هي سلوكيات إدمانية أبرزها إنه غير إجتماعي.
إنه مثلاً لو جلس في أي مناسبة تجده يحس بالوحده لا يندمج بسهولة مع من حوله، يتهرب من أي مناسبات إجتماعية. أيضاً تجده عندما يطلب شيئاً تقف حياته كلها حتى يحقق رغباته. إذا أراد مثلاً لعبة أو عجلة أو أراد أن يشتري سيارة (عندما كبر)…إلخ، تجده لا يستطيع أن يعيش حياته العادية إلا إذا حقق رغبته وكأنه حياته توقفت على هذه الرغبة وهذا ما نسميه بالرغبة الملحة.
تجد البعض منهم أيضاً يميل إلى المغامرات وعمل أعمال بطولية يتميز بها عن أقرانه ومعظمها تمثل خطورة. وتجد الكثير منهم ليست شخصية مستقلة فإذا تقابل مع المثقفين تحول إلى مثقفاً ومع المستويات الإجتماعية المنخفضة تحول مثلهم وبنفس لغتهم، وهذه ليست مهارات إجتماعية لأنه لا يملك مهارات إجتماعية، وإن دل هذا السلوك فهو يدل على الذكاء المفرط للمدمن وقدرته على التلاعب على من حوله ويجب أن نعي هذه النقطة جيداً لأنه من الممكن استعمالها في العلاج حيث يتم توجيه هذا الذكاء للتعافي بدلاً من المرض والتعاطي.
والمدمن بداخله قوة لا يعرف التعامل معها تدفعه لهذه السلوكيات. إن بداخله شعور بالإختلاف وهو يبحث دائماً عن شيء يمنحه الشعور بأن كل شيء على ما يرام، ودائماً ما يشعر المدمن بعد التعاطي بأن كل شيء على ما يرام وهو شعور كاذب، وأصبحت المخدرات هي المشكلة بعد أن كانت هي الحل لكل المشاكل، وما أن يترك المخدرات حتى يعود الشعور بالخواء مرة أخرى بل أقوى كثيراً، هذا الخواء الذي دفع المدمن إلى السلوكيات التي ذكرناها قبل التعاطي وتم حلها بالتعاطي.
إن المدمن في مرحلة ما قبل طلب العلاج أو قبوله يكون في حالة إنكار تام لمسؤليته عن إدمانه ويُرْجِع كل سلوكياته الخاطئة إلى كونها رد فعل لرفض المجتمع له، فظاهرياً يتعامل بتكبر وعنف وعنجهية ويتظاهر بقدرته على التوقف عن التعاطي في أي وقت ولكن داخلياً فهو يعاني من الخوف والوحدة وعدم الأمان فيدخل في حلقة مفرغة فهو يرفض المجتمع والمجتمع يرفضه.
وهناك محاولات لتحقيق رغباته مستغلاً كل من حوله من أشخاص أو أشياء أو أماكن فيصل إلى (التمحور حول الذات) وكأنه هو محور الكون وكل من حوله وُجِدُوا لتحقيق رغباته واحتياجاته وتظهر الآنانية الشديدة عنده دون أن يراها هو.
لا نريد أن نظلم المدمن ونصفه كأن لديه قصور أخلاقي أو قلة تربية، كلا أنه بالفعل يحتاج إلى المساعدة مثله مثل أي مريض لأننا كما ذكرنا بداخله قوة لا يسيطر عليها هي التي تدفعه لهذه السلوكيات وكما ذكرنا هو يشعر بالخواء الشديد وقد وجد بالتجربة أن المخدرات هي الشيء الوحيد الذي نجح للتعامل مع هذا الخواء أو هذه القوة الداخلية المدمرة العنيفة التي يخدرها بالمخدرات أين كان نوعها فنحن لا نهتم بنوعية المخدرات أو بالكمية التي يتعاطاها لكن أحب أن أشير أن هذه الشخصية التي ذكرناها لو عاشت بدون مخدرات (خاصة بعد أن تعودت أن تتعامل مع هذه القوة الداخلية العنيفة المدمرة بالمخدرات) كيف تعيش هذه الشخصية؟
هناك مقولة تقول (مدمن بدون مخدرات كالكلب المسعور) نعم تجد شخصة غريبة تعيش معك؛ إما إنطوائية ، شعور بالوحدة حتى لو كان وسط جمع من الناس، تقلبات مزاجية سريعة، إرضاء الآخرين على حساب نفسه، عدواني أو مكتئب….إلخ. أو ربما تكون ظروف الحياة حوله تساعده أن يستقر نسبياً فإذا جاءت هذه الظروف عكس هواه تجد الوحش الذي بداخله –النائم- استيقظ وهاج وعاد إلى نفس الشخصية القديمة!!
إذاً إذا قلنا إن مرض الإدمان عبارة عن وحش بداخل كل مدمن بدأ صغيراً وتربى بداخله لأنه أطلق له العنان والذي ساعد في نموه السريع بإعطائه الغذاء (المخدرات) مما سارع ف نموه وقوته بداخله.
إن من الصفات المشهورة لمرض الإدمان أنه متفاقم؛ يبدأ صغيراً ثم يكبر, والدليل على أن مرض الإدمان هو وحش لا يموت بداخل المدمن لكنه يُحاصَر هو الانتكاسات الكثيرة التي يتعرض لها المدمنين فهو مرض مزمن لكن يمكن محاصرة سلوكياته وتعديله.